معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرهان على السارد العليم تابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زيدان02




المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 08/03/2009

الرهان على السارد العليم   تابع Empty
مُساهمةموضوع: الرهان على السارد العليم تابع   الرهان على السارد العليم   تابع I_icon_minitimeالجمعة مايو 08, 2009 12:31 pm

اختراق الشخصيات..
وفي سبيل تقرير هيمنته يمارس السارد العليم تضييقا سافرا على الشخصيات التي لا تتحرك إلا في حدود مرسومة، فلا تتكلم إلا بخطاب السارد: نجد مثالا على ذلك في ص 137 "إذن هو الموت. السباق الرهيب: أن تقتل أو تقتل. حماقة أن تسأل: لماذا؟. قد تقتل قبل أن تسمع الجواب حماقة أن تستغرب أو تتعجب. ثمة من ينتظر أن تغفل ثواني يستغلها لقتلك": ولا شك أن هذه فلسفة السارد التي اخترقت خطابات كل الشخصيات فالضباط يبكون من الحنان والجنود يتأسفون على قتلاهم الخ.. وأحيانا لا نفرق بين كلام السارد وكلام الشخصيات لأنها لا تعدو أن تكون مطايا لخطابه الخفي، بل نجد أن الشخصيات لا تنمو مع هذا السارد بل هي قلقة التكوين مستعجلة الظهور والاختفاء وتفاجئنا بهذا الظهور والاختفاء، وإذا أخذنا مثالا على ذلك سنجد شخصية أيوب الذي رافق مجيد مراني في بعض المقاطع وقد راعى السارد في البداية كون مجيد لا يعرف أيوب فكان يسميه بـ "أيوب هذا" وسماه دون أي وساطة حوارية تجعل مجيد هو الذي يصل إلى هذه المعرفة بل السارد ينوب كلية عن ذلك وبعد فقرات يستقر اسم أيوب دون أي غرابة مع أن متن الرواية لا يعطينا أي موقف نستشف منه أن مجيد مراني قد عرف اسم أيوب، كل هذا يبين أن معرفة السارد وحدها هي المبرر لإيراد كل التفاصيل دون اعتبار للوسائط الضرورية التي تبيح تمرير بعض المعلومات.
وأحيانا لا نعرف عنها إلا الأسماء وبعض الأحاسيس التي تختلط على القارئ أهي أحاسيس الشخصيات أم أحاسيس السارد الكامن خلفها، فهي شخصيات هشة ولا تقوم بأدوار حاسمة ولا تشكل سدى النص بل هي موزعة بين الفصول، والسارد وحده هو الضامن لتماسك النص وليست الأدوار والأحداث هي من يضمن ذلك، وبعض الشخصيات بقيت ضمن كياناتها الوظيفية دون أن نعرف عن دخائلها شيئا لأن السارد اكتفى منها بما يريده هو لا بما يريده متن الرواية، فنرى أدوارا تنتهي دون معرفة الأسباب كما هو دور "مجيد مراني" ودور "سعيد ثابت" الذي ظنناه شخصية مركزية فإذا هو ينتهي نهاية غامضة لم نعرف عواقبها، كما تم استدعاء شخصيات أخرى بلا فاعلية كدور "ثابت".
وفيما يخص اختراق الشخصيات أيضا يبدو لنا السارد متجاوزا لكل الحواجز المكانية والزمانية ويسرف أحيانا في إمطار النص بالمعلومات التي لا يوجد أي مبرر منطقي لسردها دون تقديم قناة مناسبة لذلك، فلا يعجز السارد مثلا عن الحديث عن نوايا الشخصيات كلها ومقاصدها وهواجسها وما حدثت به أنفسها دون أن تعمله: "سحقها بقوة عندما تخيل الأعداء وهم يقتلونه" (ص132)، "أراد أن يفتح المحفظة ليرى صورتها ولكنه لم يفعل" (ص 141)، "تمنى لو كان هناك. ثم تنهد بأسف" (ص 154)، "لم تبزغ نجمة الصباح بعد. لشد ما كان تؤنس حراس الساعات الأخيرة من الليل بوهجها الفضي الساطع" (ص156)، وها هو السارد يكشف أسرار اجتماع أمراء الأفواج دون أية واسطة بل يكشف أهم ما يدور في ذهن آمر الفوج: "ولعل أخطر حقيقة ذكرها هي أنهم سيستغلون واقع تفوقهم العددي الكبير في صنف المشاة للاستفادة القصوى من تضاريس الأرض الوعرة في عمليات تسلل مرافقة للهجوم لتطويق وعزل الأفواج المتقدمة، الحجابات خاصة. ومع ذلك فقد ظل السؤال الكبير نفسه يشغل أفكاره منذ أمس: كيف تنتزع المبادأة في القتال من يد العدو من دون أن يفرط بواجبه الأساس كقطعة ساترة؟ ظل السؤال يلح عليه حد الأرق. ستنفتح بوابات الجحيم بعد ساعات وعليه أن يكون حجابا يستر ما خلفه من أرض ورفاق" (ص 168)، ماذا لو جاءت هذه المعلومات في سياق حوار تتحرك من خلاله المشاهد بالحيوية وتعبر الشخصيات بكل طلاقة عما يشغلها؟ ولكن استراتيجية الهيمنة تكون دائما على حساب الحوار وبروز الأطراف المتفاعلة.

الامتداد الأفقي للسرد..
هيمنة السارد تنجر عنها مركزية حادة للوصف والتعليق على حساب أدوار الشخصيات، وتهميش الشخصيات يجعلها بلا سلطة سردية أو حدثية بل يجعلها في خدمة تمركز السارد الذي يصبح مصدر المعلومات والأخبار، ومن هنا يتمطط النص بصورة أفقية من خلال الإضافات المتوالية لأحداث لم تكن في الحسبان ولشخصيات لم يتم التمهيد لها لأن السارد يعرفها ويعرف ضرورتها هو وحده، وما على الشخصيات إلا أن تفسح الطريق لهذه الإضافات ولذا تبدو فصول بأكملها إضافات خارجة عن الدائرة الأساسية الأولى للشخصيات كما تمت الإشارة إليها في المقدمة. وهذا ما يؤدي إلى احتشاد النص بالشخصيات دون ترابط بينها أو علاقات بل أحيانا ننسى شخصيات الدائرة الأولى وفجأة يعيدنا السارد إليها بعد ذهب مسار السرد بعيدا عنها كما هي حال مسار مجيد مراني الذي تم اختطافه.
وهذه الطريقة في تنمية النص لا يفسرها إلا كون السارد هو الضامن الوحيد لوحدة النص ومن ثم نجد فصولا لا تتضمن إلا الحديث عن شخصية يتم إيرادها في بداية الفصل وينتهي الفصل بالحديث عنها ثم ينطفئ حضورها تماما وكأن السارد وظفها فقط لحاجته إلى تأثيث جديد للنص والمباعدة المقصودة بين شخصيات الدائرة الرئيسية الأولى.

لعبة الخطاب المباشر..
ليس في النص سرد ووصف فقط وليس فيه بعض الحوارات المقتضبة هنا وهناك، بل فيه صفحات طوال أحيل فيه الكلام إلى "سعيد ثابت" بل إن كلامه المباشر والتأملي عامة يخترق المقاطع كلها وأحيانا يفتتح بعض الفصول، وبعد التمعن نجد أن هذا الخطاب المباشر هو للتمويه على غلبة السرد وهيمنة السارد، أولا لأن الكلام المباشر لسعيد ثابت لا يستدعيه في الغالب أي سياق سردي، فهو لا يملأ ثغرة سردية ولا ينمي عنصرا ضامرا في مسارات السرد بل هو إضافة يمكن أن نحذفها من المتن دون إحداث أي خلل في جسمه الكلي، وثانيا لكون كلامه المباشر يأتي غالبا بعد أو قبل كلام السارد عن سعيد ذاته مما يجعل كلامه المباشر غير متسق مع الحديث عنه بعد ذلك، وهي صورة تبين إقحام السارد له ليمتطيه ويجعله صوتا آخر له يمرر رسائله بأسلوب جديد، وثالثا لأن إعطاء السرد لشخصية وحيدة يجب أن يترتب عنها تطوير الشخصية وتطوير أدوارها وجعلها في مركز السرد وهو ما لم يحدث بتاتا لشخصية سعيد التي بقيت ويا للمفارقة.. هامشية، مع أنها تستحوذ على معظم سياقات السرد المباشر، وفي النهاية بقي مصيرها مجهولا عند القارئ كما عند والده وهو مصير لا ينبغي أن يلحق بشخصية مركزية كما أراد السارد أن يظهرها، وبهذا تنكشف لعبة السارد المهيمن الذي جير الكل لصالحه ومنه الخطاب المباشر لسعيد ثابت الذي لم يكن إلا قناعا آخر للسارد، وأسلوب كلامه توضح عمق تلاقيها مع تعليقات السارد التي تمت الإشارة إليها.

الخيار الخطير..
يقول السرديون إن استراتيجية السارد العليم هي أبسط أنماط السرد، ولكنها بالأساس أخطر أنماطه، لأن الهيمنة تؤدي إلى تحمل كل المسؤوليات، وتجعل كل أفكار السارد في واجهة الأحداث وعرضة للقراءة المباشرة، ولذلك يتهرب المؤلفون منه إلى ساردين متعددين وممثلين داخل النصوص، في نصنا هذا نجد السارد غائبا تمثيلا ولكنه حاضر رؤية وتوجيها، حضورا أسكت كل حركة في النص، وجعل كل صوت مهما خفت لا يعدو أن يكون رجع صدى لرؤيته وقناعاته، مما يبين أن هذا الخيار ليس محايدا بل هو الخيار القصدي =INTENTIONNEL الذي ينم عن الاتجاه الأيديولوجي، وهو خيار لا يعيب صاحبه فالمبدع سيد خياراته ولكنه خيار ليس هينا بالنظر إلى عواقبه على الشحنة الخيالية والحصيلة الإبداعية، فليس لسارد يخترق كل الحجب وينفذ إلى كل الأعماق ويتواجد في كل الأماكن ويذهب في الماضي ويغيب في المستقبل ليس لمثل هذا السارد القدرة الكافية على نسج الكون الخيالي المتين، وليس له القدرة على لحم مصائر الشخصيات بدقة وترو لأن حريته المطلقة في الحركة زمانا ومكانا تجعله في غنى عن مراعاة شروط هذا الإحكام والنسج، وهو ما نلمسه في نصنا من خلال حشد المعلومات المتسرب في كل لحظة والذي لا يأتي أبدا من خلال الشخصيات التي بقيت هي الأخرى متلقية لها مثل القارئ تماما.
إن السارد العليم خيار تسجيلي بامتياز قد يحسن في التقاط كل الوقائع المبتغاة ويسمح بالتنفيس عن كل ما نريد تمريره من رؤانا الخاصة ولكن آثاره على النسيج الإبداعي لا تنكر هناته.


هوامش :
(1) د. جمال حضري، آليات تحليل الخطاب السردي، بحث مرقون مترجم عن فصول من كتاب FIGURES 3 لجيرار جينات
(2) المصطلح للدكتور سعيد يقطين ترجم به المقابل الفرنسي عند جينات وهو FOCALISATION، ينظر كتابه: الزمن والسرد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرهان على السارد العليم تابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرهان على السارد العليم تابع
» الرهان على السارد العليم
» كلام في نظرية الأدب لتيري ايغلتون.. تابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي  :: نقد معاصر-
انتقل الى: