معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرهان على السارد العليم تابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زيدان02




المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 08/03/2009

الرهان على السارد العليم  تابع Empty
مُساهمةموضوع: الرهان على السارد العليم تابع   الرهان على السارد العليم  تابع I_icon_minitimeالجمعة مايو 08, 2009 12:26 pm

سلطة التعليق..
لكن هذا الخيار الصعب يرتب على السارد مسؤولية كل ما يرد في المتن، باعتباره مصدرها أو مؤولها ولا توجد أية مسافة له مع الأحداث ومع المعلومات الموظفة خصوصا، فالوظيفة الأيديولوجية للسارد تشتغل في هذا النمط المهيمن بأقوى صورها بل هي الصورة المثالية للسرد المؤدلج، ومن هنا هذا الحشد الهائل لتعليقات السارد الضمني والتي لم يسترها بأي غطاء بل هي تتخلل مجموع المنعطفات السردية مما كشف الحضور الكثيف للسارد حتى وهو يتنصل من شروط التحيز الزمانية والمكانية: فمن الصفحة الأولى تصدمنا تعليقات السارد المباشرة والصريحة "..ولكنهم الآن يصنعونه من لحوم، الله وحده يدري مصدرها.." (ص5)، ويقول: "عاد الرفاق يثرثرون. جمل مبتورة تتناثر من هنا وهناك. كلمات سبق أن قيلت تتكرر لمجرد قتل الوقت. أطراف قصص ونكات قديمة تحكى بترتيب جديد" (ص 11/12): وهي تبرز مواقف السارد لا غير والذي ينتصب رقيبا مهيمنا على كل ما يقال ويفعل، فالكلام عنده ثرثرة والقصص مكرورة الخ، بل إن أبرز ما يظهر الحضور القوي للسارد المهيمن هو حشو المقاطع السردية بفقرات كاملة للتعليق وليس الوصف وهما وظيفتان مختلفتان جدا، فإذا كان الوصف جزءا من تشكيل الإطار السردي فإن التعليقات التي لا تتحملها شخصية سردية أو سارد متحيز في الزمان والمكان تجعل من إيرادها دون هيأة تتكفل بها وتتبناها تدخلا سافرا وتحويلا مكشوفا للكون المتخيل نحو الكون الفعلي الذي يحياه المؤلف وبالتالي يعتبر خروجا من دائرة الإبداع إلى دائرة التوجيه التي لا ينبغي أن تستدرج المبدع إليها، فنرى مثلا في ص 23 "لحظات بلهاء، ثقيلة، لا يمكن أن يقاومها المرء إلا بالاستسلام لتلك القوة المجهولة النابعة من أعماقه، أثقل من أن تحتمل.. ربما هي قوة الاستسلام أمام إرادة لا يمكن للمرء أن يعارضها، ولكنها قوة مجهولة يمكن أن يعثر المرء عليها في أعماقه، مثلما يمكنه أن يعثر عليها في ثرثرة الرفاق عن أمور تافهة لا قيمة لها، وفي الأهداف التي تتغير لحظة بعد لحظة ليطاردها المرء ككلب صيد"، لا أحد يقول أو يتكلم في هذه الفقرة مما يجعل التعليق يلحق حتما بالسارد المتخفي خفاء جعله أكثر ظهورا وهيمنة، وهاهي لفظة المرء تقوم بدور الكشف عن هذا السارد الذي طوع كل ما في نص الحكي لرغباته وأحكامه بل وعواطفه كما سنرى لاحقا، ولفظة المرء هذه التي جعلها الغطاء الذي يتخفى فيه تنتشر انتشارا واسعا في كل النص والأمثلة كثيرة مما يعني أن التعليق في هذا النص هو استراتيجية مقصودة ومتبناة عن قصد لتمرير الرسائل المبتغاة: "لا فرق بين أزميل ومعول إلا في الغاية التي صمما من أجلها، الأول يعيد صياغة حياة والثاني يستخدم لحفر الخنادق. ترى هل استفزت الأشياء الجميلة الأعداء وهم يتقدمون نحو الحدود؟ هل فكروا أن الحياة أجمل من أن تلوثها الشظايا والجثث؟" (ص57)، وفي الصفحة 89 نجد "يا لها من ابتهالات نظيفة في عالم قذر يعج بالموت..".

سلطة القيم..
بما أن السارد مهيمن على مسارات السرد من خلال حضور ضمني، فإنه يجعل من قيمه الذاتية معيارا لكل القيم المتداولة بل ومصدرا للقيم الصحيحة والسليمة منها، وهذه أخطر الوظائف التي يسعى السارد العليم بكل شيء إلى احتكارها ويمكن أن نمثل له في ثنايا النص بما ورد في الصفحة 113: "ليس مستحبا شرب الماء في أثناء تسلق الجبال" أو في الصفحة 119 "يقولها بإيمان عميق إذ كان يؤدي الصلوات الخمس في مواعيدها كأي متدين عريق غايته أن يبكيك ندما عن إثم لم ترتكبه بعد" ونلاحظ أن السارد لفرط الهيمنة أصبح يخاطب مباشرة متلقيه باعتبار أن كلام الشخصية ليس إلا مطية ليعطي آراءه الخاصة كما في الصفحة 257: "حرر رسالة إلى مقر الفوج وتوقفت أصابعه عند كلمة (الخسائر) البشرية. في عالم فقد إنسانيته ما أهمية أن يذكر المرء خسارة أفراد قليلين، لم يسعوا للقتال، كانت لهم حيواتهم، ضحكاتهم، مشاكلهم الصغيرة، آمالهم وهمومهم اليومية؟ في عالم تحول فيه الموت إلى تجارة رابحة ما أهمية أن يكتب المرء عن عدد من الأنفار خسروا أنفسهم قبل كل شيء؟"، فالسارد يتلبس الشخصية التي من خلال هذه الأفكار لم يعد يناسبها لباس الجندية بل لباس الحكمة والفلسفة، وبعدها مباشرة يطلق السارد لنفسه العنان دون أن تتضح نسبة الكلام هل هي له أم للضابط المحرر للرسالة فيقول: "قبل أيام طلب هذا إجازة لرؤية مولوده الجديد. طلب ذاك سلفة نقدية للزواج. وذاك عاد من إجازته تاركا أمه على فراش المرض. هذا وحيد أبويه الذي ماتت بموته شجرة العائلة إلى الأبد. ذاك أنجب خمس بنات ويسعى لرؤية طفل ذكر لن يراه. تخاصم هذا مع رفاقه قبل أيام بسبب الواجبات. وذاك وذاك." وهذا الإحصاء الذي يغفل أسماء الناس ليس إلا عمل السارد، فليس للضابط الوقت ليحصي هذه الأمور ولا مهامه تخوله أن يتتبع خصوصيات الجند وظروفهم النفسية وإلا لم يعد قائدا لجند، بل إن هذا الضابط هو الذي يحمله السارد بعد ذلك على البكاء حتى تمر الرسالة المبتغاة مهما كانت الخسائر على صعيد بناء شخصية عسكرية وما يتطلبه ذلك من دقة اختيار، فنجد: "وشعر بدموعه الساخنة تتحدر على خديه فمسحها على عجل.." (ص257) وفي نهاية الفصل لا يستنكف السارد أن يبكي ضابطه: "فأراد النقيب أن يبكي ثانية في ذلك الصباح. علام تأسف يا فتى؟ قطرات دمك أثقل من الجانب المظلم في ضمير هذا العالم، وشرف الميدان الذي حملته رغم جراحك أكبر من شرف كل من ادعى المسؤولية عن مصير الإنسانية في هذا العصر، فعلام تأسف؟ وعن أي ذنب تعتذر؟" (260)، وهذا هو المقصود من توظيف دموع النقيب: أن يمرر السارد رؤيته، ولكن بأي ثمن؟. كما يقطع السارد المهيمن عبارات الشخصيات بالنظر إلى منظومته القيمية، ففي الصفحة 150 وغيرها نجد: "..لماذا لم تجلب معك الكثير يا ابن ال..." وهي رقابة لم يمارسها المتكلم ولا المتلقي بل السارد هو الذي عدل العبارة كما أملته قيمه ومعاييره.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرهان على السارد العليم تابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرهان على السارد العليم تابع
» الرهان على السارد العليم
» كلام في نظرية الأدب لتيري ايغلتون.. تابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي  :: نقد معاصر-
انتقل الى: