معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرهان على السارد العليم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زيدان02




المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 08/03/2009

الرهان على السارد العليم Empty
مُساهمةموضوع: الرهان على السارد العليم   الرهان على السارد العليم I_icon_minitimeالجمعة مايو 08, 2009 12:18 pm

قراءة استراتيجية السرد في "حجابات الجحيم"

منذ كتابات جيرار جينات (Gérard Genette) عن تقنيات السرد، احتلت مسألة المنظور أو زاوية الرؤية مكانة مركزية كأداة حيوية لتحليل الخطاب السردي. وتعود خطورة هذه الآلية إلى كونها كاشفة لخطة السرد الكامنة أو لنقل البانية لاستراتيجية انتشار عناصر السرد كلها التي تتحكم فيها الرؤية أو المنظور كموقف يتخذه السارد تجاه شخصيات الحكي فيتباعد أو يقترب أو يتماهى معها كما يقطر من خلالها المعلومات فيوسع أو يضيق ويسترجع أو يواكب أو يستبق، مما يتيح له إمكانية التحكم والتعديل المستمر للمادة الحكائية.

وقد توالت الدراسات التي تعمق هذا الدور وتوضحه حتى غدت رؤية السارد هي المعيار الذي يحدد نجاح المؤلف في استراتيجية بنائه السردي أو فشله في ذلك. فخيارات المؤلف تجاه الرؤية متعددة ولكنها لا تعدو في رأي السرديين ثلاث حالات تتولد عنها ثلاثة أنماط من الساردين (1)
- تبئير (2) صفر: أي لا توجد زاوية للنظر: السارد يعلم كل شيء ويرى كل شيء> من الشخصية = الرؤية من خلف، وهذه هي رؤية السارد العليم (omniscient) حتى بالأفكار الداخلية للشخصيات.
- تبئير داخلي: السارد يعلم ما تعلم الشخصية = الرؤية مع = حقل الرؤية ضيق، تفضل الحكاية هنا منظور أحد الأطراف، فنكون داخل ذاتية (subjectivité) هذه الشخصية، وقد يكون التبئير الداخلي حسب جينات ثابتا (منظور شخصية واحدة) أو متغيرا(منظور عدة شخصيات) أو متعددا (الحدث الواحد يعرض من منظور أكثر من شخصية).
- تبئير خارجي: السارد يعلم < من الشخصية = الرؤية من خارج = حكي موضوعي، أو حكي سلوكي، وفيه تعمد الحكاية إلى الوصف الخارجي للوقائع.
من جهة ثانية يمكن تكون للسارد وضعيتان في الحكي:
- أن يذكر من قبل المؤلف فهو في المشهد intradiégétique: فهو واسطة المؤلف ويمكن أن لا يذكر من قبل المؤلف في المشهد extradiégétique: ليس للمؤلف واسطة ومن جهة ثالثة يمكن للسارد أن يكون:
- غير ممثل في الحكاية التي يقصها = فهو براني الحكي hétérodiégétique
- ممثلا كشخصية في الحكاية = فهو جواني الحكي homodiégétique، وهنا يمكن أن يكون السارد:
- هو بطل حكيه: الحكي الذاتي autodiégétique
- أو لا يؤدي إلا دورا ثانويا: مشاهد/ شاهد

وبهذا تظهر أهمية السارد والوضعيات التي يتخذها وما يترتب عليها من نتائج جوهرية على مسار الحكي ومصيره، فوضعية السارد تجاه الشخصيات من حيث العلم بها تتولد عنه أنماط مختلفة من السرد: فيكون سرد مهيمن في حالة اللاتموضع أي حين يكون السارد موجودا في كل مكان وزمان ومع كل الشخصيات ومن داخلها ومن خارجها ويعلم ماضيها وحاضرها بل وما ينتظرها من أقدار، كما يكون سردا ذاتيا إذا التزم السارد رؤية شخصية ما فيرى من خلالها عالم الآخرين فلا تطفو المعلومة إلا من زاوية محدودة توازيا مع محدودية نظر الشخصية ووفق أهوائها وميولها ورغباتها، كما يكون السرد موضوعيا ووصفيا حين لا يدرك السارد عن الشخصيات إلا ما يعاينه من خارج فلا يرى إلا سلوكات ومظاهر وبالتالي يكون علمه أقل من معلومات الشخصية فنكون إزاء سارد قارئ ومؤول ومحلل لما يبدو له.
هذه الحالات السردية: الهيمنة والذاتية والوصفية تتقاطع مع حالات ذكر السارد من عدمه، فإذا ذكر السارد في المشهد فمعناه خضوعه لشروط زمانية ومكانية تحدده وتعرفه، ويكون القارئ إزاء مرجعية معلومة تمسك بخيوط السرد وتوجهه، أما إذا لم يذكر فمعناه أن المؤلف لم يتخذ له وسيطا وبالتالي يتحتم عليه اللعب بذكاء لنسج مسار الحكي ويكون القارئ في بحث مستمر عن صوت السرد وزوايا رؤيته.
كما يمكن أن تتقاطع الوضعيات هذه مع كون السارد هو إحدى الشخصيات المتحركة على مسرح الأحداث وقد لا يكون كذلك وعلى ضوء ذلك نكون إما بإزاء سارد متعالق مع أشخاص آخرين وهذا يؤدي إلى قراءة نسبية للمعلومات التي يوردها السارد وإما إلا يكون السارد ممثلا وهنا تكون القراءة من منظور السارد مطلقة إلى درجة كبيره باعتباره تجاوز النسبية إلى نوع من الهيمنة والتسلط أي أصبح سلطة تأولية تراعى وجهة نظرها.

السارد المهيمن..
من البداية نلمس أن السرد بيد واحدة في "حجابات الجحيم"، حيث يبدأ بوصف مجموعة من المجندين الجدد المتجهين إلى جبهة القتال. وينسج السارد من هذا التواجد كل الحكاية متناولا في كل مرة مسار شخصية من شخصيات المركبة العسكرية التي تقل هذه المجموعة المختارة التي تضم:
- دائرة أولى تتكون من: سعيد ثابت ويبدو شخصية مركزية عند السارد وسنرجع إليه، وعمر علي وسامي يوسف ومجيد مراني و "عريف الهاونات"
- دائرة ثانية تتكون من أصحاب الرتب العسكرية المرافقين ومنهم خصوصا: الملازم عماد، آمر الفوج، أيوب، النقيب حميد حسن آمر السرية الثالثة، النقيب أحمد شاكر، الملازم أول محمد عبد الله وكيل آمر السرية والمقدم الركن آمر السرية.
- دائرة ثالثة: وتتكون من أم سامي يوسف وأخويه أكرم ويوسف ومن أب سعيد ثابت أي ثابت الذي التحق بالجبهة أخيرا كمتطوع ضمن قوات الدفاع الشعبي ثم أمل رفيقة سامي.
- دائرة رابعة يمكن أن تجمع كل الشخصيات الهامشية التي أثثت خلفيات الرواية وشكلت إطارها، كالجنود المذكورين من خلال وظائفهم والعصابات المهربة والمسؤولين في الجيش الإيراني الذين أوردوا مبهمين عن قصد.

اللاتحيز في الزمان والمكان..
اختار المؤلف ألا يجعل لنفسه وسيطا ظاهرا يبني من خلاله مسارات السرد، فليس لدينا من يتكفل بالمهمة على الأقل في الظاهر، فمنذ الصفحة الأولى من الرواية (ص5) ندلف مباشرة إلى مجموعة الرفاق الذين جمعتهم المركبة العسكرية: ".. إلى أعلى قفزوا كجسد واحد ثم ضربوا الأرض بأقدامهم، تقدموا ثلاث خطوات سريعة ثم تراجعوا.." (ص5) وفي الفقرة الموالية يبدأ السرد بتناول إحدى الشخصيات وهي سعيد ثابت فيقول: "اشتهى (سعيد ثابت) ستة أقراص، لا أقل، من (اللحم بعجين) الذي كانوا يصنعونه من لحم ضأن .." (ص5)، وعدم الظهور هذا يجعل السارد ضمنيا لأنه في الواقع موجود ولكن تضمينه وعدم تحييزه مكانيا وزمانيا هو خيار سردي مشروع يذهب بالسرد إلى أقصى درجات الإطلاق والهيمنة، أي أن السارد الذي يضبط بشرط الوجود يصبح متحررا كلية من أي قيد فلا نملك أن نسائله لماذا يتواجد في كل مكان: في جبهة القتال وفي "مرانة" وفي "الموصل" وعلى الجبهة الإيرانية ولا نسائله عن زمن المعلومة فهو يجلبها من ماضي الشخصيات ومن حاضرها ويستشرف مصائرها بل ويعرف ما دق من التفاصيل وما خفي عن الأعين وما كان حبيس القلوب والسرائر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرهان على السارد العليم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرهان على السارد العليم تابع
» الرهان على السارد العليم تابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
معهد الأدب العربي لجامعة حسيبة بن بوعلي  :: نقد معاصر-
انتقل الى: