مرت الجزائر بتجربة حربية خاصة , تضعها على درجة من الأهمية لا تقل عن التجربة الفلسطينية والمصرية بين مجمل الدول العربية , وليس هذا من باب التفضيل أو المقارنة , إلا أننا نرى أهمية التجربة بشدة شراستها وقوة تأثيرها بين التجارب الحربية العربية عموما .
كان الاحتلال الفرنسي للجزائر في جوهرة وحقيقته , عدوانا على "الهوية" الإسلامية والعربية للشعب الجزائري . يتسم الاستعماري الفرنسي في كافة المناطق التي جثم على أهلها سواء في أفريقيا أو غيرها .. بأنه استعمارا ثقافيا بالدرجة الأولى , بالإضافة إلى المطامع الاستعمارية الأخرى . فباتت الجزائر تتحدث الفرنسية وتعاني من تخلف كل مظاهر التمدين الحديث والخدمات الدنيا الواجب توافرها .. وهيمنت الثقافة الفرنسية . وإن تشابهت الجزائر مع بقية الدول العربية في مواجهاتها مع الاستعمار , والكفاح من أجل التحرر , لكن بدا كفاح الشعب الجزائري أقسى وأشد من أماكن أخرى , حتى لقبت الجزائر بـ "بلد المليون شهيد" .
منذ بدايات الاحتلال الفرنسي , والمقاومة ترسخ بجذورها في طين الجزائر , صحيح عبر الأدب الجزائري وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية (تقريبا) من خلال نزعة إصلاحية أخلاقية , تكسوها غلالة من مفاهيم الدين الحنيف . وكان هذا الفهم المتواضع لدور الأدب يغطي احتياجات البسطاء في الجزائر وما أكثرهم . وكثيرا ما وصفت تلك الفترة (حتى الحرب العالمية الأولى) بالجمود الفني . أما وقد وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها , فظهر فن "الرواية" خجولا كما بالمقارنة بالرواية التي كتبت في الشام ومصر , وربما في تونس والمغرب أيضا . ويجب الإشارة إلى صورتين للرواية في تلك الفترة . صورة الجزائري الذي يكتب أدبا عربيا باللغة الفرنسية , وأدبا لشباب فرنسيين يعيشون في الجزائر ويكتبون بالفرنسية (منهم البير كامى) .
لعل أشهر هؤلاء الجزائريين الذين يروون بالفرنسية: "مولود معمري – مولود فرعون" وغيرهما , وقد أخذ على أعمال ذاك الجيل الآتي :
· أن الرواية تخاطب القارئ بالفرنسية (حيث كانت تطبع وتنشر غالبا).
· عنيت تلك الأعمال بالمكان (عربيا) , سواء داخل الجزائر أو في إحدى البلدان العربية .
· رصدت الروايات العادات والتقاليد وحتى المظاهر الشعبية في المأكل والملبس , بلا دلالة فنية , حتى أن الغرب استقبلها من باب الطرافة والشوق لمعرفة الغريب العجيب .
· كان البعد الاجتماعي لا يحمل هما نقديا , أو أيدلوجية للإصلاح .. فكانت صورة المرأة (مثلا) يعرض بإفاضة مع كل سلبيتها , من أجل شد الانتباه والتشويق .
· لم تخل بعض الأعمال من إبراز ظواهر التفسخ الاجتماعي , في مقابل التقدم الفرنسي .
إجمالا يمكن القول بأن إنتاج تلك الفترة لم يعبر عن هم الناس وأحلامهم , إما لغلبة التأثر بالعملاق الفرنسي , وإما لعدم الثقة في الذات , وإما لتحاشي غضبة المستعمر .
فكان الرأي النقدي حول تلك الأعمال الروائية , والذي كتبه الناقد الفرنسي "جان بومبير" الذي كتب يقول :
" يجب أن نقر بادئ ذي بدء , بشيء مخيب للآمال .. لا يوجد ولم يوجد قط أدب جزائري .. أدب مختص بالجزائر وحدها , أدب يتأكد طابعه بوجود لغة وجنس وأمة جزائرية بمعنى الكلمة "
وبدأ الجهاد المسلح , مات الجزائريون في سبيل التحرر , لتصبح تجربتهم الحربية نبراسا لكل الشعوب , حيث تفرغ جنود الاحتلال لقمع الثوار , بعد أن تخلت فرنسا عن وعدها بالاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية . لم تنفذ فرنسا وعدها ولم يصمت الشعب الجزائري .
ويعتبر عقد الخمسينيات (بداية الثورة) هو زمن فارق بين عهدين , وهو ما تجلى في الأدب والرواية تحديدا .
نشير بداية إلى أدباء "مدرسة 1952".."مولود معمري" الذي نشر في فرنسا رواية "التل المنسي" , ثم رواية "نوم هادىء" عام 1955. أما "مولود فرعون" فقد نشر عام 1954رواية "أيام القبائل".. كما نشر "محمد ديب" ثلاثيته الشهيرة :"الدار الكبيرة"عام 1952, "الحريق" عام1954, ثم "النول" فى عام 1957.
وكلها كتبت بالفرنسية ونشرت بفرنسا .. بصرف النظر عما تم من ترجمة للعربية . بدت تلك الأعمال الأكثر نضجا في تاريخ الرواية الجزائرية .. (والتي بلغت حتى عام 1995م خمس وسبعين رواية - حسب الببليوجرافي التي أعدها د.حمدي السكوت) . وهو ما جعل النقد الفرنسي يستقبل تلك الأعمال بترحيب أكثر عما سبقوهم , فقالوا كتبت الرواية الجزائرية وإن كانت باللغة الفرنسية . وجملة ملامح المقاومة تبدو جلية في تلك الأعمال .
أما المرحلة التالية وهي كتابة الرواية باللغة العربية , فقد برز كل من "الطاهر وطار" وروايته التي يؤرخ بها مولد الرواية الجزائرية الناضجة باللغة العربية .. رواية "اللاز" . ثم "عبد الحميد بن هدوقة " وروايته "ريح الجنوب".
وقد رافقت الأسماء السابقة أسماء : "آسيا جبار" , "أحمد رضا حوحو" , و "رشيد بوجدرة" وغيرهم . وتلتهم أسماء : "أحلام مستغانمى" , "حفناوي زاغر" , و "محمد ساري" وغيرهم .